سورة الأنعام - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنعام)


        


{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}
{جَعَلَ} يتعدّى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ، كقوله: {وَجَعَلَ الظلمات والنور} وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صيَّر، كقوله: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} [الزخرف: 19] والفرق بين الخلق والجعل: أن الخلق فيه معنى التقدير، وفي الجعل معنى التضمين، كإنشاء شيء من شيء، أو تصيير شيء شيئاً، أو نقله من مكان إلى مكان. ومن ذلك {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الأعراف: 189] {وَجَعَلَ الظلمات والنور}؛ لأن الظلمات من الأجرام المتكاثفة، والنور من النار {ثم جعلكم أزواجاَ} [فاطر: 11] {أَجَعَلَ الالهة إلها واحدا} [ص: 5].
فإن قلت: لم أفرد النور؟ قلت: للقصد إلى الجنس، كقوله تعالى: {والملك على أَرْجَائِهَا} [الحاقة: 17] أو لأن الظلمات كثيرة، لأنه ما من جنس من أجناس الأجرام إلاّ وله ظلّ، وظلّه هو الظلمة، بخلاف النور فإنه من جنس واحد وهو النار.
فإن قلت: علام عطف قوله: {ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ}؟ قلت: إما على قوله: {الحمد للَّهِ} على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق؛ لأنه ما خلقه إلاّ نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته، وإما على قوله: {خَلَقَ السماوات} على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه.
فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، وكذلك {ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام: 2] استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم.


{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}
{ثُمَّ قَضَى أَجَلاً} أجل الموت {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ} أجل القيامة. وقيل: الأجل الأوّل: ما بين أن يخلق إلى أن يموت.
والثاني: ما بين الموت والبعث وهو البرزخ. وقيل: الأوّل النوم.
والثاني: الموت.
فإن قلت: المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفاً وجب تأخيره، فلم جاز تقديمه في قوله: {وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ}؟ قلت: لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة، كقوله: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكٍ} [البقرة: 221] فإن قلت: الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد، ولي عبد كيس، وما أشبه ذلك؛ فما أوجب التقديم؟ قلت: أوجبه أن المعنى: وأي أجل مسمىً عنده تعظيماً لشأن الساعة، فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم.


{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}
{فِى السماوات} متعلق بمعنى اسم الله، كأنه قيل: وهو المعبود فيها. ومنه قوله: {وَهُوَ الذى فِي السماء إله وَفِى الارض إله} [الزخرف: 84] أو وهو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالإلهية فيها، أو هو الذي يقال له: الله فيها- لا يشرك به في هذا الاسم، ويجوز أن يكون {الله فِي السموات} خبراً بعد خبر على معنى: أنه الله وأنه في السموات والأرض بمعنى أنه عالم بما فيهما لا يخفى عليه منه شيء، كأن ذاته فيهما، فإن قلت: كيف موقع قوله: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ}؟ قلت: إن أردت التوحد بالإلهية كان تقريراً له؛ لأن الذي استوى في علمه السر والعلانية هو الله وحده، وكذلك إذا جعلت في السموات خبراً بعد خبر، وإلا فهو كلام مبتدأ بمعنى: هو يعلم سركم وجهركم. أو خبر ثالث {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} من الخير والشرّ، ويثيب عليه، ويعاقب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8